fbpx
31 مايو، 2023

تابع نيوز – tapeanews

بوصلتك للحدث

همجية في عقل المجتمع السوداني..

عبدالناصر صالح يكتب/ همجية في عقل المجتمع السوداني.

#مزاج القلم!

عبدالناصر صالح

بطبيعة التنوع والإختلاف المجتمع السوداني شأنه في ذلك شأن كل المجتمعات البشرية، إذ لايتصور وجود مجتمع متجانس حد التطابق والذوبان فلابد من اختلاف كبير أو صغير ولو على مستوى العادات والتقاليد والخبرات والتجارب بغض النظر عن تنوع الأعراق والفئات، وتلك نتيجة طبيعية وحتمية لقوانين التساكن والتفاعل المجتمعي.. وبمقتضى هذا التساكن لابد من حدوث تجاذب وتداخل(تزاوج ) بين القبائل مما يسقط نظرية” العرق النقي” التي قال بها الداروينيون وأثرت لاشعوريا في شعوب العالم حيث أن الظواهر الإجتماعية تتميز بالإنتشار والموضوعية كما أوضح اوكوست كونت صاحب “الفيزياء الإجتماعية”. وكان من الطبيعي أن تحدث تراتبية طبقية لها هرم يتربع عليه النبلاء فعلية القوم ثم الموالي والأتباع ولبروليتاريا ” البؤساء” بالتعبير الماركسي، داخل مجتمعات ما قبل النهضة ومابعد البارجماتية!

ومجتمع في طور النمو والحداثة كالمجتمع السوداني طبيعي أن تظل الأعراف الأولية التي كانت قواعد قبل الدولة التي تحكمه وتوجهه، حيث أنه من السهل تفشيها في بيئة لاتسودها قراءة العلوم الإنسانية كهواية اجتماعية على غرار ماهو معروف منذ عصر النهضة في بلدان متطورة من العالم( في خمسينيات القرن الثامن عشر كانت مقدمة كتاب روسو التنويرية تقرأ في الكنائس والأسواق والشارع على الناس).

فالصراع بين العقل والأسطورة كان ولازال قائما ولابد من سيادة أحدهما على الآخر داخل مجتمع ما، ولعل احتقار العلوم العقلية وإعمال العقل عموما لصالح المسلمات والملخصات والبديهيات والشائعات قد غلب الكفة لصالح الأسطورة في مواجهة العقلانية لينتج ذلك مجتمعا يميل للدعة والبساطة ولايدخل نطاق القضايا الكبرى ولايهتم بتمييز المتخصصين عن غيرهم سوى بمعايير أخرى عرفية تعود لعهد سابق كما أشرنا لذلك.

ومادامت البيئة الإجتماعية لاتسودها العقلانية فهي خصبة لإستنبات الشائعة كنتيجة لتلك المقدمة(عندما لاتسود العلوم ستسود الخوارق والماورائيات) التي بينها صاحب سيكولوجية الجماهير حيث يرى بأن الأسطورة والشائعة والنكتة أكثر قبولا وسرعة تفشي من المعلومة الناجمة عن دراسة علمية ولها براهين!

في رأينا أن العلوم الإنسانية تشذب الطباع وتوسع المدارك وتغلب العقل على الهمجية لذلك فلا غنى عن فشوها اليوم في المجتمع كفشو الشائعة دقائق بعد إطلاقها! وعلى الطبيب والفيزيائي والرياضي والكيميائي والمهندس والكهربائي وكل عناصر المؤسسة الإجتماعية أن يتشبعوا بها ولو بواسطة إدراجها في علم الخطابة الجماهيرية لتعم المهرجانات وخطب المساجد والتلفزيونات والأسواق وكل التجمعات بطريقة أو بأخرى، ولو ظلت حبيسة دفاتر طلاب الثانوية والجامعة وبعض المقاهي الترفيهية ،وحبيسة كتب بلغة وأفكار خارقة للعادة ومقالات عويصة ومزركشة فلن يستفيد المجتمع منها وسوف يظل المجتمع عند عقلياته وأساطيره وبغضه للمثاقفة والمعارف وسوف تظل هي في ذلك الحبس الأبدي السرمدي منذ نشأتها داخليا!

وليس هذا وحده فكل الناس اليوم يتحدثون عن مجتمع السوداني متناقض ومتناغِم ثقافيا وهوياتيا وعرقيا، ليس له قاعدة صلبة من الزاد المعرفي تكافح نزعات الجاهلية والحنين للإنفجار ،وسوف تظل كل محاولات النهوض به هي محاولات هامشية ومعالجات سطحية مؤقتة لاتخمد ثورة النعرات الحقيقية التي لاتخضع للقانون أو المواعظ! وقد قالوا الثوار أن ثورة المتعلمين حضارية وواعية أكثر من ثورة الجهلة الهمجية العنيفة.