الخرطوم : محمد ودالسميح
لطالما كانت (الحبال) تملأ شوراع أحياء الخرطوم دالة على أن المكان يخص (مكوجي) يستعين بها-الحبال- في عملية (نشر) الملابس التي يتولى غسلها نيابة عن سكان الحي المعني حتى تجف لتنتقل الى المرحلة التالية وهي (الكي) ..لكن بدأت هذه الحبال تدريجياً بالاتفاء عن المشهد العام بالمناطق المختلفة دالة هذه المرة على تقلص أعداد (المكوجية) خاصة في الأحياء الراقية أو شبه الراقية وذلك انصياعاً لعصر التطور الذي طال حتى عملية غسل الملابس.
عرش مهدد
الغسال أو المكوجي ظل معتلياً لعرش نظافة ملابس سكان الحي الذي يعمل فيه باسطاً سيطرته على الأمر برمته لكن عرشه الآمن دخل حيز التهديد في السنوات الماضية ابتداءً من عهد تواتر المغاسل الحديثة التي تعمل بالكهرباء فبقدومها ودخولها خط الخدمة باتت من عوامل تضييق الخناق على (المكوجية).
وجود وصمود
لكن الغسال بتفاصيله التقليدية القديمة التي عرف بها ما زال موجوداً فقط بصورة نسبية وأقل مما كان عليه في السابق ..ويجئ السر وراء صمود الغسال التقليدي في وجه المغاسل الحديثة الى أنها-المغاسل- تتطلب من الباحث عن نظافة ملابسه دفع أموال أكثر مقارنة مع (المكوجي) وتركت بذلك براحاً للتحرك يصب في صالحه بأن يستهدف الأسر متوسطة الدخل والأحياء غير الراقية أو النصف راقية على اعتبار أن قيمة قيامه بهذه العملية أقل من قيمتها عند المغاسل.
مستقبل مجهول
صمود غسال (اليد) أمام (غسال الكهرباء) لا يبدو أنه سيدوم طويلاً وذلك عند قراءة الأوضاع من زاوية الإنتشار المكثف للمغاسل الحديثة و(الدراي كلين) في العديد من الأحياء سواء بالعاصمة والولايات ورغم أن الغسال التقليدي ما زال موجوداً بها لكنه بدأ يتراجع شيئاً فشيئاً سيما وأن المغاسل ما زالت تزداد إنتشاراً وهو الشيء الذي ينعكس سلباً عليه كما أن زيادة المغاسل الحديثة سيؤدي الى إزكاء نار التنافس بينها لكسب الزبائن ما قد يقود إلى تخفيض أسعار الغسل والكي ما يعني مزيداً من الإقبال عليها مقابل هجر الغسال بهيأته القديمة.
حلول ممكنة
من المؤكد أن (المكوجية) لا يرغبون التفريط في (أكل عيشهم) وقد إتجه كل منهم نحو البحث عن حلول لإنقاذ موقفه فمنهم من قضى نحبه وهجر المهنة متجهاً إلى غيرها معلناً يأسه منها من واقع أن المستقبل ليس لها ومنهم من ينتظر مجئ الأجل الذي يعلن عن نهاية أسطورة غسال الحي لصالح مغسلة الحي في حين حاول بعض منهم الإلتفاف على الأمر بركوب موجة المغاسل بشراء واحدة منها بملحقاتها ولو على سبيل الشراكة ويستفيد هذا حين الإلتحاق بركب أصحاب المغاسل الحديثة من وجود زبائن خاصين به ومن تواجده في موقع معروف بالنسبة للسكان ليصطاد بمغسلته الجديدة أكثر من عصفور ويحافظ على زبائنه بل ويزيدهم حتى.
تنافس قائم
بغض الطرف عن تطور التفاصيل في أمر الغسيل الى الأفضل عند المستقبل فإن الواقع الآن يحكي وجود تنافس قائم بين الطرفين في سبيل الحفاظ على موقعه بالنسبة للغسال أو إقتلاع الزبائن والسيطرة على سوق الغسيل بالنسبة للمغاسل فما زال الإثنين موجودين في الأحياء وكل منهما يلقى حظه من الإقبال مستفيدين من حالة الإنقسام حولهما وتقارب أسعارهما التي تجعل بعض أصحاب الدخل الجيد والمتوسط لا يفرقون بينهما من ناحية مادية بقدر ما يفعلون ذلك من ناحية تفاوت المميزات في كل.
تفوق نسبي
تتأرجح الكفة بين الغسال والمغاسل حين وضعهما في ميزان المقارنة ..وذلك لأن لكل منهما مزية تجعله يتفوق نسبياً على نظيره.. فمن ناحية التنظيف مثلاً تضمن المغاسل إذا كانت بردجة عالية من الكفاءة عودة الملابس الى الزبون بنسبة عالية من النظافة ليحسب لها ذلك لكنها قد تتسبب في إهتراء بعض الملابس وهو الشيء الذي لا يحدث عند الغسل بالأيدي ما يحسب للغسال ..ويتفوق الغسال عن المغسلة بأنه سعره أيسر منها لكنها تتميز عنه بقدرتها على غسل أصعب الأشياء مثل الستائر الثقيلة والملايات البطاطين وبعض متعللقات الديكور كما أنها تتميز بأن الكي عندها عبر البخار بوسائل لا تقود الى التمزق والاحتراق أو ما يعرف بـ(شيل ملابس) وهو أمر وارد الحدوث حال كان (المكوجي) من غير المركزين وترك (المكواة) تصل إلى درجة حرارة عالية تفوق تحمل (الملابس).
المزيد من الاحداث
اتكاءة
السودان والضمير الغائب!
شهد