الشفيع علي الفكي
عن طفولتي بقولكم
لست ممنونا للأيام التي قضيتها في المدرسة ، رغم انها بداية لكل شيء ،في حجرة الدرس المتقشرة الجدران غير المطلية الخالية من النوافذ كنا أربعة صبيان نتشارك المقعد الأمامي ومن امامنا تقف سبورة أصابها التشقف فبدت كخارطة عالم بلا محيطات وبلا بحار وسلاسل جبلية خارطة لم تدرس لنا في حصة الجغرافيا لوثت بلطخات من براز البقر الطري التي قذفها احد المشاغبون معلنا اعتراضه علي العملية التعليمة برمتها والحكومة بكل زخم جنرالاتها ونياشينهم المعلقة علي بذاتهم كنت خجولا بما يكفي لنزول دموعي عند اول مواجهة مع المطبات لي بنية هزيلة ومقياس ذكاء متوسط علي اثره وضعت في المقعد الامامي حيث كان كل الذين يحتلون المقاعد الخلفية اما أصحاب ذكاء فقير او مشاغبون ابن الحلاق الذي وظف ابيه علاقته مع المدير حتي يجد له مكانا في المقاعد الامامية لم يريده ان يصبح حلاقا تتخاطف موهبته الرؤوس الصلعاء والجلحاء وأصحاب الخنافس لقد سئم والده المهنة فختار لابنه مصيرا مغاير ا لكن ابنه كان يهرب من المدرسة عبر النوافذ المشرعة ويتسلل الي الحقول متتبعا اثر جانيات القطن وهن يرتدين فساتين الكتان المور د وطرح من الدمور يقتلن الوقت بأغنيات ومواويل ريفية من شاكلة (القميص جورسي والفنيلة بجوه حرام عليك يالنسيت الخوة) و(الله لي الليمون سقايتو علي) لم يكن بن الخضرجي اكثر حظا من الحلاق لقد صدم ايضا في ابنه فتوة الفصل عاشق الصبايا الذي اخذته الحقول عن اللو غورثمات وجيب الزاوية والتفاضل والتكامل فصار مزارعا ماهرا يكشب من مهنته مالا وفيرا لكن ابيه كان يرسم له احداثيات لم يكن ليهتم بها كان يراسل صبية دون الثانية عشر ويتعمد إطفاء الرتينة اثناء المزاكرة ليحادثها لم تكن لتهتم بحديثه فهي بعد طفلة تجهل ماوراء النظرات والبسمات ، كان لأي سلم من مضايقتنا له وتفكيكنا لطلاسم خططه وافساد مشاريعه الغبية كان ينتقم منا بإرسالنا الي العقاب بحجة اننا فوضويون اما صديقنا الثالث المسخوت وكنا نسميه منقو زمبيري اذكر اننا تعانقنا بشدة عندما علمت بخبر بقاءه في الصف لسنة اخري لقد فقدت رفيقا اخر رغم توريطه لي في جملة من المصائب ، عندما كتبت لصبية الفصل السادس مترافعا حن حبي الطفولي الذي ملك علي فؤادي مفتتحا خطابي المعطر بخات من عطر بنت السودان بعيارة ايها الغزال الشارد من جنة عدن ، اخذ مني الخطاب عنوة وتلاه علي مسامع الفصل بصوت مرتفع ، حينها انكفأت علي الدرج وانتحبت بشدة لم يكتفي بذلك لقد ارسل الخطاب الي مكتب المدير وشكلت لي لجنة محاسبة وقالت اكثرهن صوتا في اللجنة دا ولد مهذب ما بعمل كدا ، كنت دائما ما اذهب الي قريبتي في الصف السادس متذرعا بكثير من الأسباب لرؤية الغزال الشارد من الجنة كما وصفه احد طلاب الصف الخامس فلتقطت العبارة وصرت اراسلها واصفا إياها بالغزال ، علمت ان المسخوت واصل معاركة مع جداول الضرب والإعراب حتي وصل الصف السادس بشق الأنفس واصبح جنديا في فرقة الهجانة ، مسامحه لوجه الله علي ما ورطني فيه من مصاعب ها قد كبرنا وصرنا نتعاطى الماضي كحكايات .
المزيد من الاحداث
اتكاءة
السودان والضمير الغائب!
شهد