الشفيع علي الفكي
مالم تقوله نشرات الأخبار …؛
وقف عند القنطرة كانت عبارة عن مبني دائري يعلوه سقف مخروطي ، بعد كل هذه السنوات كأن الخواجة بعينيه الزرقاوان وغليونه المحشو بالتبغ يقف علي عمليات البناء والعمال يحملون الحجارة والرمل ، كان في هيئة جيدة مازال يقاوم الزمن ، جلس عند الظل صدره يعلو ويهبط انفاسه غير منتظمة لقد اجهد نفسه في حفر قناة حتي يتمكن من ري محصوله بعد ان طمر الطمي القنوات الرئيسة ولم تعد الماء تصل اليهم ، يعانون العطش وربما يفقدون الموسم وهذا مالم تقله نشرات الأخبار جاء محيميد وهو بن عمه و رفيق طفولته كان يركب علي حمار اشتراه من سوق المدينة بعد ان باع محصول القطن لتاجر هناك ، لم يعودا يلتقيا كثيرا وفقدا ذكرياتهما معا نزل محيمد عن حماره كان رفيق ممدا علي خرقة من الخيش يرتاح قليلا من رهق ستون عاما وتزيد قليلا ، وكزه بعصاة كان يحملها استيقظ فزعا ظنا منه ان المفتش الإنجليزي قد مر عبر القطرة ووجده نائما وامر بسحب حواشته منه وتمليكها لشخص أخر قال له يا محيميد اتدري اني عدت الي الوراء خمسون عاما وظننتك الباشا علي ظهر حصانه وقد ضبطني وانا في نوم عميق قال محميد يا عبد الله اخوي ذاك زمان مبروك ليته يعود الان رغم صرامة الرجل الأبيض صاخب الغليون الا انه كان اشبه بقائد الأوركسترا تهبط عليه الألحان من السماء ، انذكر عندما بعنا القطن طويل التيلة كنا حينها شبابا نقطر قوة ونشاط عدنا من المدينة محملين بحلوي المولد وملابس جديدة وصحف ومجلات طازجة ، تزوجنا في تلك السنة المباركة وجلبنا كثير من المداحين وضاربي الدلوكة كان المداحين يضربون الطار لثلاثة ايام بلياليها في ديوان حاج الطاهر والنساء يصنعن الفطير والرز باللبن والمدور والزلابية ، يالها من ايام جميلة حصلتا فيها علي قناطير من السعادة اشعر بالحنين اليها ، لم تكن الحياة بهذه القسوة التي هي عليها الأن ، اذكر عندما عاد ابي من الحج ذبحنا له عجلا وثلاث خرفان فرقنا المصاحف والسبح علي اهل القرية ودعونا المداحين جاءوا من القري البعيدة ،كل يحمل طاره علي كيس قماشي وطلبوا منا ان نوقد لهم نارا لتحميسه ، كانوا اكثر من عشرة عندما طرق أحدهم الطار وانشد( القنديل كتب محي ازرق طيبة كسرتو مملحة ) ردد الجميع علي نغم حلو أبشر بالرسول محمدا وبازرق طيبة صاحب البنية والتكية ، حينها وزرعت حلوي اللكوم علي الجميع حتي الصبيان ناوا منها نصيب وافرا فرحوا كما لم يفرحوا من قبل وعاد الجميع الي بيوتهم مستفين بذكري النبي عليه الصلاة والسلام ، خذني الي منزلي يامحيميد لم يتبقي الكثير من العمر لقد انفقنا سحابته في حياة لذيذة حلوة حتي السياسة والانتخابات كانت موالد للفتة باللحم مع الارز ولم تكن تعرف الدماء وصائدي ارواح الشباب كما هي عليه اليوم ، كنا نقرا راتب الامام المهدي ليلة المولد نتعشي بالارز باللبن عند السادة المهدية ونذهب في الغد لنتغدي مع السادة الختميمة في مسيدهم ، هذا تسامح عجيب يامحيمد الجميع متحابين ذاك بجلبابه الانصاري المرقع واخر بعباءته الختميةة، يكتبون صفحة ناصعة البياض لتاريخ لامكان فيه للغة السلاح والتخوين ، اتذكر عندما حضرنا ندوة الشريف الهندي في جامعة الخرطوم كان فتي بليغ اللسان حلو الحديث علي وجهه سيما الصلاح في ذاك اليوم صفق له الطلاب بحرارة وحملوه علي الأعناق بعد نهاية الندوة
المزيد من الاحداث
اتكاءة
السودان والضمير الغائب!
شهد