لا أدري
كتب/ متوكل سعدالدين كولا
إذا استوقفت أي شخص وسالته أيهما أفضل الماضي أم الحاضر؟… في الغالب ستكون إجابته الماضي. وهذا لا يمنع وجود أشخاص حاضرهم أفضل من ماضيهم ولكن الغالبية العظمى تفضل الماضي لسبب ما.
فذاك العجوز الهرم الّذي يمشي على ثلاثة أرجل و انحنى الى الأرض حتى ظُن أنه سيُقبلها، وفوق ذلك أصبح لا يرى بوضوح الا بأربع أعين، وأصبح يمشي كحلزون متعب يحاول جاهدًا الوصول الى جحرة بعد يوما شاق، ولا ننسى كيس من الادوية والعقاقير التي من دونها سيصبح في غيابة النسيان… تجده يحن إلى أيام الشباب وكيف كان يقف شامخاً معتدلاً كتمثال صنع من حجر صلب تكاد صلابته تضاهي الفولاذ، وكيف كان قوي وشجاعاً لا يهاب شيء يقف مثل الأسد عزيزا متفاخراً بنفسه كالملك وسط رعيته…. ولسان حاله يقول ليت الماضي يعود يوماً.
اما ذاك الشاب الّذي أُثقل كاهله بهموم الدنيا وخيباتها فأصبح ضعيف هزيل لا يقوى على مواجتها وخر راكعا لجبروتها فتبخرت أحلامه وتكونت من فوقة سحابة سوداء كظلام الليل، فأبرقت همًا وغمًا وانهمرت عليه الهموم من كل حدب وصوب فوجد نفسه غارقاً في بحر من الندم…. فيحن إلى أيام الصبا حيث كأن لا يشغل باله سوى اللهو واللعب، وجلسات السمر… فعندما تشرق الشمس يفر من مهجعه مسرعًا إلى رفاقه فرحاً فيركضون هنا وهناك جيئاً وذهاباً دون كلل أو ملل وأصوات قهقهاتهم تملأ ارجاء المكان فتكسبه نوعاً من السرور، وعند الغروب يجتمع الصبية مرة أخرى فيصيح جزء منهم (شليل وينو) ويرد أخرون (أكلو الدودو) ويتكرر (شليل وين راح) فيردون (أكلو التمساح) ولا ننسى جلسات السمر وكل ذلك تحت ضوء القمر مما أكسبه هالة من الجمال فاصبح المشهد كلوحة رسمها مايكل أنجلو، وبعد أن يتملكهم التعب يذهبون الى منازلهم ويلتفون حول جداتهم(حبوباتهم) ويستعمون اليهن بكل ما أوتوا من حواس فهنالك حكاية (الغول) ولا ننسى (فاطمة السمحة)… الخ، وبعد ذلك يرتشفون كوبا من الحليب بنهم كأنهم لم يتذوقوه من قبل، ويخر مغشيًا عليهم جثثا هامدة وفي أعينهم شوق لشروق شمس اليوم التالي…. يسترجع هذه الزكربات ولسان حاله يقول يا ليت الصبا يعود يومًا.
وهنالك من أتخذ قرار وبعد مرور الوقت أكتشف أنه مخطى، فأصبح الان نادم تمنى لو يعود الماضي ليكفر عن ذنبه. فالحنين الى الماضي والشوق الى ما فيه من زكريات أظن أنها كافية لجعل الماضي أجمل.
المزيد من الاحداث
الإدمان ما مخدر بس
إليك
نحن بحاجة لبعضنا أحياء لا أموات ..