صوت الحق
الصديق النعيم موسى
الكثير من الناس في بلادي تفاجأ بما فعله رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان عندما قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نيتنياهو في عنتيبي اليوغندية وما لبث المجتمع السوداني بين رافضٍ ومؤيّدٍ لهذه الخطوة في العلاقات السودانية الإسرائيلية . وما حيرني أكثر ( دهشة ) المكوّن المدني حينها ما بين مؤيدين في السر والرافضين في العلن .
ستظل قضية التطبيع مع إسرائيل محل جدال دائم والأسئلة التي نطرحها ما المانع من إقامة علاقات مع إسرائيل ؟ وهل يمنع ديننا ذلك ؟ وهل هناك فائدة من إقامة علاقات معهم ؟ لنأخذ الأمر من الجانب الديني حيث أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى فتوى نُشرت في جريدة المسلمون العدد (520) بتاريخ 19/ 8/ 1415 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/ 219) . تحدث الشيخ ابن باز رحمه الله في قضية الصلح مع إسرائيل قائلاً : الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم ، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين، وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر، وغير ذلك، كالبيع والشراء، وتبادل السفراء.. وغير ذلك من المعاملات التي لا تقتضي مودتهم ولا موالاتهم. وقد صالح النبي ﷺ أهل مكة، ولم يوجب ذلك محبتهم ولا موالاتهم بل بقيت العداوة والبغضاء بينهم، حتى يسر الله فتح مكة عام الفتح ودخل الناس في دين الله أفواج ا، وهكذا صالح النبي ﷺ يهود المدينة لما قدم المدينة مُهاجرا صُلحاً مطلقاً ، ولم يوجب ذلك مودتهم ولا محبتهم، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يعاملهم في الشراء منهم والتحدث إليهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام، ومات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله .
وهكذا المسلمون من الصحابة ومن بعدهم، وقعت الهدنة بينهم -في أوقات كثيرة- وبين الكفرة من النصارى وغيرهم فلم يوجب ذلك مودة، ولا موالاة .
ومما يدل على أن الصلح مع الكفار من اليهود وغيرهم إذا دعت إليه المصلحة أو الضرورة لا يلزم منه مودة، ولا محبة، ولا موالاة : أنه ﷺ لما فتح خيبر صالح اليهود فيها على أن يقوموا على النخيل والزروع التي للمسلمين بالنصف لهم والنصف الثاني للمسلمين، ولم يزالوا في خيبر على هذا العقد، ولم يحدد مدة معينة، بل قال ﷺ: نقركم على ذلك ما شئنا وفي لفظ : نقركم ما أقركم الله فلم يزالوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه ، وهذا كله يبيّن أن الصلح والمهادنة لا يلزم منها محبة ولا موالاة ولا مودة لأعداء الله، كما يظن ذلك بعض من قلّ علمه بأحكام الشريعة المطهرة. وبذلك يتضح أنَّ الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يقتضي تغيير المناهج التعليمية، ولا غيرها من المعاملات المتعلقة بالمحبة والموالاة.
ويواصل الشيخ رحمه الله بالنسبة إلى بقية الدول ، كل دولة تنظر في مصلحتها فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك.
والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، وقوله سبحانه : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا الآية [الأنفال:61]. وتأسيا بالنبي ﷺ في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ثم قال ﷺ: ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته .
ديننا الحنيف دين مُسامحة وسلام فإن كانت مصلحة الدولة في إقامة علاقات مع إسرائيل لا يوجد ما بمنع في حدود شرع الله فالنبي الكريم محمد صلّ الله عليه وسلّم توفاه الله ودرعه مرهون ليهودي فهذا يؤكّد التعامل معهم وفق ما حدد شرع الله ، فالكثير من الدول تقيم علاقات مع إسرائيل لا أدري ما هي الغضاضة في ذلك وهل المعاملة وتبادل السُفراء يعني نسيان الشعب الفلسطيني ؟ بكل تأكيد للفلسطينيين قضية عادلة والمسلمون جميعاً يدعمونها ومع ذلك قيام العلاقات المُشتركة حسب ما تقتضيه المصلحة لا حجر عليه مثلما وضّح سماحة الشيخ ابن باز .
المزيد من الاحداث
اتكاءة
السودان والضمير الغائب!
شهد